13 - 05 - 2025

وجهة نظري| تمام يا أفندم

وجهة نظري| تمام يا أفندم

خصم شهر من المرتب.. تلك العقوبة التى وقعها محافظ المنوفية اللواء سعيد عباس على  كبير معلمى اللغة العربية أحمد إسماعيل صبرى، أما التهمة والخطأ الشنيع الذى ارتكبه ووقع فيه المدرس الكبير هو مقاطعة المحافظ والرد على الإنتقادات التى وجهها لمجموعة من المعلمين كان إسماعيل واحدا منهم.

تفاصيل الواقعة الغريبة كما نشرتها المصرى اليوم تكشف مبالغة المحافظ فى انتقاداته للمعلمين، فبعدما أوقفهم أمامه ليتوسطوا صفوف تلاميذ مدرسة المساعى الثانوية أخذ يبوبخهم ويحملهم مسئولية تدنى مستوى المدرسة ""أنتم السبب فى شكل المدرسة بشكلكم ده ..اللى جاى بشبشب واللى جاى بجلابية واللى جاية بعباية" لم يتحمل كبير المدرسين الكلمات الحادة واستأذن للرد سائلا المحافظ "لوسمحت مين اللى لابس جلابية ومين اللى لابسة عباية ومين اللى لابس شبشب؟"

يبدو أن جرأة المعلم على مجرد الرد على سيادة المحافظ أغضبه فأصدر قراره بخصم شهر من مرتبه.. بعدما مر القرار بالطبع بالتسلسل الروتينى المعروف، والذى بدأ بمذكرة أعدتها إدارة التحقيقات بالمحافظة بناء على توجيهات المحافظ وإنتهى بموافقته على قرار الخصم.. أما التجاوز الخطير الذى إرتكبه المعلم وإستحق بسببه العقاب كما ورد فى التحقيقات فهو"الخروج عن مقتضى الواجب الوظيفى بأن تحدث بصوت عال وبطريقة غير لائقة وباسلوب لا يتفق مع الاحترام، وأنه ليس من إختصاص المدرس الرد على كلام المحافظ أثناء زيارته للمدرسة!!" فعلا جريمة شنعاء لايستحق عليها فقط الخصم من المرتب، بل الفصل والسجن إذا أردنا العدل والحكمة والإنصاف! فكيف يجرؤ المدرس على الرد على سيادة المحافظ؟ لماذا لم يبتلع لسانه وكرامته وهو يسمع إنتقادات سيادته توبخ فى المدرسين أمام تلاميذهم! لماذا أخذته العزة بالإثم فاعترض على ما اعتبره إهانة! لماذا لم يرح نفسه ويبتلع الإهانة بإبتسامة بلهاء مرددا كببغاوات المرؤوسين الخانعين "كله تمام ياأفندم.. كلام سيادتك أوامر".. ربما يبدو تصرفه بالفعل غريبا وجرأته على مجرد الرد مستفزة بعدما صار نقد الرؤساء تهمة وإنتقادهم خطيئة ومعارضة سياستهم جريمة.. فالمدرس لا يحق له الرد على المحافظ، والمحافظ ليس من حقه الرد على الوزير، والوزير لايجرؤ على مناقشة رئيس الوزراء، ورئيس الحكومة من غير اللائق أن يرد للرئيس كلمة!

انتقدنا يوما سياسة الجماعة التى تقوم على السمع والطاعة، فإذ بنا نحولها لنظام "كله تمام يافندم".. ومثلما إكتشفنا جميعا فشل سياسة السمع والطاعة لم يعد خافيا على أحد فشل نظام "كله تمام يافندم".. لن تنصلح أحوال بلادنا إلا بالحرية.. لا أحد يحتكر الحكمة ولا أحد يحتكر الحقيقة ولا أحد منزه عن الخطأ والفشل.. واحترام المسئولين والتسليم بمكانتهم ونجاحاتهم لا يفرض بالقوة الجبرية والقهر، ووأد كل صوت معارض، والتعتيم على كل نقد، وعدم السماح سوى للمسبحين بحمد المسئولين المعظمين لنجاحاتهم، حتى وإن بدت فى عيون الكثيرين وهما وعبثا.. أمارات النجاح لاتخطؤها عين ولا يمكن أن تطولها أى يد بالتشويه أو التقزيم أوالإنكار ولا يمكن أن ينال منها أى إنتقاد.. لايخشى من النقد سوى الضعيف ولا يكتم الصوت المعارض، سوى المهزوز، غير الواثق بنجاحه.. يطرب لسماع صوته ويفرض على الجميع سماعه، أما من يجرؤ على الاعتراض فمصيره على الأقل "الخصم من المرتب" كما حدث لكبير المعلمين.. الذى عجز عن الإقرار بسياسة "كله تمام يافندم".
-------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

قانون الإيجار القديم .. لغم لا يحمد عقباه